الآن بعد أن رضخ الرئيس دونالد ترامب للضغوط وقلّص التعرفات الجمركية الإضافية التي فرضها على معظم دول العالم، من المغري الاعتقاد بأن الأسوأ قد ولّى بالنسبة لوول ستريت والبيت الأبيض. لكن بالنسبة لملايين المزارعين الأميركيين، فإن الأسوأ قد بدأ للتو. فقد رفعت الصين التعرفات الجمركية على البضائع الأميركية إلى 84%، رداً على الرسوم التي فرضها ترامب. وكما أوضح ترامب فإن التعرفات الجمركية على السلع الصينية وصلت إلى نسبة مذهلة بلغت 145%. ولا يزال الغموض يكتنف التعرفات الجمركية التي ستُفرض على الدول الأخرى بعد التعليق المؤقت لمدة 90 يوماً. لكن المزارعين الأميركيين، الذين يعتمدون بشكل كبير على صادراتهم الزراعية، أصبحوا الآن عرضةً لخطر الخسائر الجانبية في حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وفي ولاية كاليفورنيا، يعني هذا مزارعي اللوز بالخصوص. فالولاية، التي تملك أكبر عمليات تصدير زراعي في الولايات المتحدة، صدّرت ما يقارب 4.7 مليار دولار من المنتجات الزراعية في عام 2022، وهي تنتج نحو 85% من إجمالي إنتاج اللوز في العالم، بالإضافة إلى نسبة كبيرة من الفستق والجوز.
في السابق، كانت معظم هذه المكسرات تُصدّر إلى الصين. لكن بعد حرب ترامب التجارية في عام 2018، انخفضت حصة كاليفورنيا السوقية إلى أدنى مستوى لها خلال عقدين من الزمن، ولم تتعافَ بالكامل منذ ذلك الحين، كما أخبرني مؤخراً كولين كارتر، وهو أستاذ فخري متخصص في الاقتصاد الزراعي وموارد البيئة بجامعة كاليفورنيا في ديفيس. والخوف الآن هو من أن السوق قد لا تتعافى أبداً. قال كارتر: «نحن نعزل أنفسنا عن الأسواق العالمية، والزراعة في كاليفورنيا تعتمد عليها بشكل كبير للغاية. إن الردود الانتقامية ستعود علينا بعواقب وخيمة».
وفي الوقت نفسه، تشهد سوق فول الصويا في ولايات الغرب الأوسط الزراعية، أيوا وإلينوي وكانساس، اضطراباتٍ حادة. وتُعد هذه المحاصيل أكبر صادرات البلاد، حيث بلغت قيمتها نحو 24.5 مليار دولار العام الماضي، متجاوزةً اللوز بفارق كبير. وقد تعرضت هي أيضاً لضربة قاسية خلال الحرب التجارية في ولاية ترامب الأولى، حيث انخفضت من مبيعات قياسية قاربت 34 مليار دولار.
فهل يمكن أن يؤدي هذا إلى انقسام بين ترامب وأحد أكثر قواعده الانتخابية ولاءً؟ في نوفمبر الماضي، صوّت الناخبون في المقاطعات الأكثر اعتماداً على الزراعة لصالح ترامب بنسبة 78% في المتوسط، بزيادة نقطتين مئويتين عن انتخابات عام 2020، وفقاً لتحليل حديث.
إن استعداد ترامب للمغامرة بسبل عيش المزارعين، الذين يعانون أصلاً من التضخم المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة، ينبغي أن يكون بمثابة جرس إنذار. فقد أعلن ترامب بصراحة خلال حملته الانتخابية عن نيته الدخول في معركة تجارية مع العالم. ومع ذلك، أظهر استطلاع للرأي أُجري الشهر الماضي أن 54% من المزارعين لا يؤيدون استخدام الرئيس للتعرفات الجمركية كأداة تفاوض.
يبدو أن إدارة ترامب تعوّل على الدعم القوي الذي يحظى به المزارعون من الحزبين في الكونجرس، وعلى تحفظ «الديمقراطيين» حول الإشارة إلى أن للانتخابات عواقب، لدفع خطة إنقاذ بتمويل من دافعي الضرائب. وهو تكرار لما فعله الرئيس في ولايته الأولى، عندما خصص 30 مليار دولار لتعويض المزارعين عن خسائرهم في الصادرات بسبب حربه التجارية.
وقبل أيام من الآن، صرحت وزيرة الزراعة «بروك رولينز» لقناة «فوكس بزنس» بأن المزارعين «سيحظون بالحماية»، وأكدت للصحفيين في البيت الأبيض أن «لدينا بالفعل حزمة دعم جاهزة، إذا لزم الأمر، ونأمل ألا يكون ذلك ضرورياً، لكن إذا لزم الأمر فسنتمكن من تخفيف كثير من الأضرار، إن لم يكن جميعها».
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان الكونجرس سيوافق على خطة إنقاذ كهذه في هذه المرة، خاصة في ظل استمرار الشكوك حول تعامل ترامب مع الاقتصاد.
 لكن مجموعات التجارة الزراعية والجهات الأخرى في القطاع الخاص بدأت بالفعل في الضغط من أجل ذلك بهدوء، منذ ما قبل «يوم التحرير». إلا أن ما لا يُذكر كثيراً في حملتهم الترويجية هو أنه، حتى في حال الموافقة على مليارات الدولارات لخطة الإنقاذ، من غير الواضح ما إذا كان المزارعون سيشعرون بالرضا.في المرة السابقة، قال العديد من المزارعين إنهم لم يتلقوا ما يكفي لجعل أعمالهم تعود إلى ما كانت عليه. وكان هذا صحيحاً بشكل خاص بين مزارعي اللوز في كاليفورنيا، حسبما ذكر كارتر، وهو أستاذ في جامعة كاليفورنيا في ديفيس، لأن معظم الأموال ذهبت إلى مزارعي فول الصويا في الغرب الأوسط.
وقال السيناتور عن ولاية كاليفورنيا، آدم شيف، إن ناخبيه يرددون له نفس الشكاوى. وأضاف في تصريح لشبكة «إن بي سي نيوز»: «أتلقى أيضاً شكاوى من مزارعين لم يستعيدوا حتى الآن حصصهم السوقية منذ التعرفات الجمركية التي فرضت خلال إدارة ترامب الأولى».
فلماذا يواصل المزارعون دعم رئيس يبدو مستعداً للإضرار بهم وتقليص تعويضاتهم؟ من الواضح أن جاذبية ترامب تتجاوز الجوانب المالية، خصوصاً في كاليفورنيا، حيث تتركز المخاوف على تأمين إمدادات كافية من المياه. وقد وعد ترامب بإرسال كميات أكبر من المياه إلى المزارع الواقعة في المناطق السفلى، وقد وفى إلى حد كبير بذلك الوعد، متحدياً المخاوف البيئية لدى الديمقراطيين الذين يديرون الولاية، إلى درجة إهداره المياه، خاصة بعد حرائق لوس أنجلوس.
لكن المزيد من المياه لزراعة اللوز لا تعني شيئاً عندما تؤدي الحرب التجارية العالمية إلى تقليص عدد العملاء القادرين على شرائه.

إيريكا دي. سميث*
*كاتبة أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»